ربما يستغرب الكثيرين سر التأثير الّذي نتج عن هذه المباراة والّذي استمر لـ23 عاماً وأُعتبرت على إثره رائعة "أوستن/هارت" الخالدة كواحدة من أعظم مباريات المصارعة على مر التاريخ.
تمثل هذه المباراة الإنطلاقة الفعلية لـ"ستيف أوستن" كـ واجهة للإتحاد و رأس لحقبة الفوضى (الأتيتيود) آنذاك.
وكما هو معروف لدى الكثيرين من متابعي المصارعة، أن أنجح المباريات هي تلك الّتي تتضمن إدراجاً للقصة الّتي تم بناؤها بين أطراف النزال وتحويلها إلى أداء واقعي على أرض الحلبة (ستوري تيلينغ) و أيضاً قدرة المصارعين على التفاهم فيما بينهم من جهة وقدرتهم على التفاهم مع المشاهدين من جهة أخرى وإقناعهم بواقعية ما يشاهدونه (سايكولوجي).
وماحدث في الراسلمينيا 13 بين "ستيف أوستن" و "بريت هارت" كان تطبيقاً لهذه الفكرة وبالمقابل حصلنا على أحد أعظم المباريات في تاريخ المجال.
والآن لنستعرض سوياً ماحدث بينهما وكيف حصلنا في أقل من 25 دقيقة على أفضل مباراة في تاريخ الإتحاد من حيث (قدرة الطرفين على تطبيق القصة بحذافيرها في أدق مجريات المباراة).
المباراة كان لها قانون خاص وهو (الإخضاع) وهذا القانون بكل تأكيد كان يصب في مصلحة "هارت" ويمثل نقطة ضعف واضحة لـ"أوستن".
لدينا "بريت هارت" الّذي خسر لقب بطولة العالم أمام "شون مايكلز" في مهرجان الراسلمينيا 12 وغاب عدة أشهر ليعود بعدها ساعياً خلف لقبه المسلوب ليجد أن الأمور قد تغيرت تماماً .. فـ"شون مايكلز" الأن هو الواجهة وقد أخذ مكانه، ولدينا النجم الصاعد "ستيف أوستن" الّذي يستعد بدوره ليكون النجم الأول في الإتحاد.
كل هذه الأمور ساهمت تدريجياً في تحول "هارت" من البطل المحبوب إلى شخص يشتعل غضباً في داخله لإسترداد ما هو له، ولكن أن تغيب لأشهر وتعود فجأة! .. حسناً، لنكن واضحين، لن تجد ما تركته كما هو، وما كان صعب المنال قد أصبح أصعب!
من جانب أخر .. لدينا النجم الصاعد "ستيف أوستن" ملك الحلبة لعالم 1996 والّذي يسعى لإثبات نفسه في أحقيته بأن يكون النجم الأول في مواجهة الواجهة وبطل العالم السابق "بريت هارت" في مباراة تمثل:
The Top Face vs. The Top Heel
"أوستن" قال جملة لا يمكن غض الطرف عنها ألا وهي (لا يوجد رجل على وجه الأرض يستطيع أن يجعلني أقول "أنا أستسلم") ومقولة مثل هذه صادرة عن نجم صاعد إستطاع أن يصبح ملكاً للحلبة وقدم حينها برومو للتاريخ أعطى إنطباعاً عن ماهية الشخص الّذي يوشك أن يصبح النجم الأول تمثل تهديداً حقيقياً لـ"هارت" حتى وإن كان الأخير صاحب الأفضلية في مباراتهم المرتقبة!
عندما ننظر إلى مباراة "أوستن/هارت" في الراسلمينيا 13 سنلاحظ أنها مباراة متكاملة من جميع النواحي، حتى الحكم الخاص للمباراة لم يكن شخصاً عادياً، بل كان "كين شامروك" الّذي كان يمتلك آنذاك سجلاً من 30 نزال في عالم الفنون القتالية المختلطة، حقق الفوز في 23 نزال (21 فوزاً منها عن طريق الإخضاع!!!).
إذاً .. حتى تاريخ الحكم الخاص كان من ضمن أساسيات المباراة!
ربما بالنسبة للكثيرين مباراة استمرت لمدة 22 دقيقة وبضعة ثواني غير جديرة أن تكون أحد أعظم المباريات في التاريخ، ولكن تفاصيل المباراة الدقيقة الّتي شملت حتى الحكم الخاص تجعلنا نتسائل .. هل هي المباراة الأكثر تكاملاً في تاريخ مصارعة المحترفين؟
بعد هذه المقدمة والنظرة الشاملة على معطيات المباراة وبعد مشاهدتي للمباراة عدة مرات تبين لي أنها تنقسم إلى 4 مراحل:
المرحلة الأولى: فرض الهيمنة المتبادل .. لنجعلها قتال شوارع!
تبدأ المباراة بهجوم مباغت من "أوستن" ويحدث قتال عنيف بين الطرفين والحكم "شامروك" يراقب عن كثب.
فجأة .. ينتقل القتال إلى خارج الحلبة كما لو كان الطرفان لا يعيران أي إهتمام لكونهما يتواجهان في مباراة مصارعة فهما يستعدان للقضاء على بعضهما البعض.
فالعائد الّذي يشتعل غضباً "بريت هارت" يريد أن يزيح الصاعد "ستيف أوستن" من طريقه.
يستمر القتال بين الطرفين إلى جانب الحلبة وينتقل تدريجياً بين الحضور، تارة يهيمن "أوستن" وتارة أخرى يهيمن "هارت" إلى أن يعودا إلى جانب الحلبة مجدداً.
نحن الأن لا نشاهد مباراة إخضاع بل إن الأمر قد إبتعد تماماً عن كونها مباراة مصارعة من الأساس فما يحدث هو قتال شوارع لا يحكمه أي قانون وكل واحد منهما يريد أن يفرض سيطرته على الأخر.
يعود الطرفان إلى الحلبة بعد إنتهاء مرحلة الهيمنة لصالح "أوستن".
المرحلة الثانية: ستبدأ المباراة الأن .. كيف سيتعامل "ستيف أوستن" مع مباراة لا يمتلك أي خبرة في قانونها!
يستعيد "هارت" السيطرة تدريجياً ويبدأ بإستهداف ركبة "أوستن" المصابة للسيطرة عليه والكبح من جماحه وتحضيراً لإنهاء المباراة بضربته القاضية (شاربشوتر).
فجأة .. يستجمع "أوستن" قواه وينفذ ضربته الشهيرة (ستانر) على "هارت" .. وإستجماع "أوستن" لقواه ونهوضه يذكرنا بمقولته: (لا يوجد رجل على وجه الأرض يستطيع أن يجعلني أقول "أنا أستسلم") فيبدو أن إستهداف الركبة المصابة لـ"أوستن" ومحاولة إخضاعه لن تجدي نفعاً ولن توقفه!
ولكن نهضة "أوستن" لم تستمر طويلاً وعاد "هارت" للسيطرة مجدداً بإستهداف ركبة "أوستن" المصابة عند العمود الفولاذي للحلبة.
ومع ذلك لم يكن هذا كافياً لإخضاع "أوستن" ويبدو أنه لن يتنازل عن كلمته بهذه السهولة.
وهنا قرر "بريت هارت" أن يغير نمط المباراة، ومن هنا كانت نقطة التحول في شخصية "هارت"؛ عندما تحول من واجهة محبوبة إلى مكروه بعد فشله في إخضاع النجم الصاعد .. فتمرير الراية بينهما لم يكن مرتبطاً بنهاية المباراة؛ الراية تم تمريرها فعلياً أثناء المباراة ليبدأ تعاطف المشاهدين مع "أوستن" الّذي كان من المفترض أن يكون الطرف المكروه ولكنه بصلابته تحول إلى البطل الحقيقي للمباراة!
المرحلة الثالثة: يبدو أن أساليبي التقنية والإخضاعية لم تعد تجدي نفعاً، سأفعل المستحيل للقضاء على "ستيف أوستن"!
أحضر "هارت" كرسي فولاذي ولفه على ساق "أوستن" المصابة في محاولة أخيرة منه لإيقاف "أوستن"، ولكن .. "أوستن" كان له رأي أخر، نهض مسرعاً متناسياً ألم ركبته المصابة وضرب "هارت" بالكرسي ليوقعه أرضاً من فوق الحبال!
استجمع "أوستن" قواه مجدداً وهاجم "هارت" بالكرسي مستهدفاً ضهره واستكمل بعد ذلك هجومه ليبدأ بعدها مرحلة إخضاع "هارت" بالتركيز على رقبته،
وبينما "ستو هارت" يراقب النزال عن كثب .. قرر "أوستن" تطبيق حركة (بوسطن كراب) المشهورة على نطاق واسع بإسم (وولز أوف جيريكو) لينجو منها "هارت" بإمساك الحبل.
يقوم "أوستن" بسحب "هارت" إلى وسط الحلبة لينفذ عليه (الشاربشوتر) ولكن ينجو منها "هارت" بحركة رخيصة (وهو أسلوب لا نراه من "بريت هارت") وهذه جزئية مهمة توضح أن "هارت" سيفعل كل مايلزم لينهي المباراة لصالحه خصوصاً بعدما أدرك أن خصمه لن يستسلم!
ينتقل القتال مرة أخرى إلى خارج الحلبة ثم إلى داخلها مجدداً ولكن هذه المرى الدماء تسيل بغزارة من جبهة "ستيف أوستن"!
المرحلة الرابعة: بدأت قوى "ستيف أوستن" تنهار بالكامل .. ولكن!
يستغل "هارت" إنهيار "أوستن" ويحاول الإجهاز عليه مستخدماً عدة ضربات ثم يعود ليستخدم الكرسي الفولاذي ويستهدف ركبة "أوستن" المصابة .. ثم يطبق "هارت" ضربته (الشاربشوتر) و لكن "أوستن" يسدد ضربة مباغتة لعين "هارت" ويفلت منها حيث أدرك في تلك اللحظة أن السبيل الوحيد للدفاع هو الهجوم!
يستمر هجوم "هارت" على "أوستن" وفجأة .. ضربة تحت الحزام يسددها "أوستن" لـ"هارت" وعودة عنيفة من "أوستن" لأجواء المباراة.
يحضر "أوستن" سلك كهربائي محاولاً إخضاع "هارت" به ولكن هارت يستخدم الجرس ليضرب "أوستن" على رأسه ويفلت من قبضته.
وهنا وصلنا إلى اللحظة الحاسمة؛ "ستيف أوستن" منهك كلياً، "بريت هارت" يشتاط غضباً ويدرك أن مهمته تكاد أن تفشل وأنه لن يتمكن من إخضاع الرجل الّذي كلفه مباراة الرويال رامبل كما كان يعتقد،
ينفذ "هارت" ضربة (الشاربشوتر) محاولاً إنهاء المباراة لصالحه تقابلها مقاومة قوية لا مثيل لها من "أوستن" الّذي ملأت دماؤه أرض الحلبة، ربما انهارت قواه ولكنه لم يكسر كلمته حينما قال (لا يوجد رجل على وجه الأرض يستطيع أن يجعلني أقول "أنا أستسلم").
يحاول "أوستن" الوقوف وهو تحت ضغط (الشاربشوتر) ولكن لا جدوى فقد انهارت قواه ويبدو أن هذه المرة قد أحكم "هارت" قبضته ولا مفر من الهزيمة .. فقد "أوستن" وعيه في مشهد مؤلم وصادم وأعلن "شامروك" نهاية المباراة نتيجة فقدان "أوستن" لوعيه وعدم قدرته على الإستمرار...
إنتهت المباراة بجميع مراحلها .. مالّذي جعل "ستيف أوستن" هو الفائز الحقيقي؟
"بريت هارت" أدرك جيداً أن الفوز لم يأت كما كان مخططاً له؛ فاز بالمعركة ولكنه خسر الحرب!
"ستيف أوستن" فقد وعيه وخسر المباراة ولكنه حافظ على وعده ولم يستسلم، حتى النجم الأول والمتخصص في هذا الأسلوب لم يتمكن من إخضاعه .. و "هارت" قد أدرك جيداً هذه الحقيقة!
عاد "هارت" لمهاجمة ركبة "أوستن" المصابة وسط إستغراب من جميع المشاهدين؛ أنت الفائز لماذا تسعى للإنتقام؟
لأن حينها أدرك جيداً أنه هو من خرج مهزوماً من تلك المباراة.
تابع "هارت" هجومه مما أضطر "شامروك" لإبعاده بالقوة، ليغادر "هارت" الحلبة بعد ذلك.
نهض "ستيف أوستن" ببطء وهو يحاول أن يستجمع قواه بعد أن بذل قصارى جهده وأخرج كل مالديه أمام "بريت هارت" ودخل أحد الحكام إلى الحلبة محاولاً مساعدته ولكن بدلاً عن قبول المساعدة قام "أوستن" بتوجيه ضربة (ستانر) للحكم!
ردة الفعل كانت واضحة ولا تحتاج إلى أي تفسير .. "أوستن" لم يقبل أن يقوم أحد بمساعدته، وكان موقفه واضحاً (أنا لم أُهزم لتأتي وتساعدني)، ظاهرياً الفائز هو "بريت هارت"، ولكن الراية قد تم تمريرها بالفعل أثناء القتال ومن خرج فائزاً من المباراة هو من بقي أخيراً في الحلبة، نعم خسر المعركة ولكنه ربح الحرب وأصبح الواجهة الجديدة للإتحاد .. "ستون كولد ستيف أوستن".
دمتم في رعاية الله وحفظ
إشترك بالنشرة البريدية
3 التعليقات
اضف تعليقالتعليقاتجيد
ردعداوة جميلة
ردالتعليق باسم:
ردتحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء